
المسلمون الأمريكيون، من الخوف إلى التعددية
- 2019-Jun-03
عندما استيقظت أمريكا في صباح اليوم التالي لأحداث 11/9/2001، بدت عليها مظاهر التنوع الديني والعرقي أكثر من أي وقت مضى. لقد ساهمت موجة الهجرة التي شهدتها الولايات المتحدة خلال النصف الأول من القرن العشرين في جعلها صورة مصغرة للعالم. وكان لهذا التنوع في صورته الحديثة انعكاسات دينية مهمة، فقد تأصلت جذور الجاليات الوافدة من الهندوس والمسلمين والبوذيين والسيخ وغيرهم في الأراضي الأمريكية. رأى بعض الأمريكيين أن هذا التنوع يمثل نقطة قوة حقيقية للبلاد. ومن ناحية أخرى، اعتبر البعض الآخر، وما زالوا يعتبرون، أن هذا التنوع يشكل تهديدًا بالنسبة لهم، فتوجهوا نحو تأييد فرض القيود على الهجرة مرة أخرى. ونتيجة لذلك، أُدرجت قضايا الهجرة والهوية على رأس الأجندة السياسية والاجتماعية الأمريكية مرة أخرى، وأصبحت من القضايا المثيرة للجدل إلى حد كبير.
في عام 2005، حصل عدد أكبر من الأشخاص من الدول ذات الأغلبية المسلمة على الإقامة الدائمة القانونية في الولايات المتحدة – ما يقرب من 96.000 شخص – الأمر الذي لم يحدث من قبل خلال العقدين السابقين. علاوة على ذلك، أصبح ما يزيد عن 115.000 مسلم من المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة خلال عام 2009.
فرض المشهد الديني الجديد في أمريكا تحديات جديدة أمام "التجربة الأمريكية العظمى" (the great American experiment). ولا يمكن تجاهل أن نسبة لا بأس بها من الأمريكيين يتحاملون على المسلمين الأمريكيين في الولايات المتحدة. كما ينتشر هذا الموقف بين الرجال والنساء والشباب والكبار وغير المتعلمين والمتعلمين على حد سواء.
لا شك أن معظم المسلمين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة خلال السنوات العشرين الماضية قد توقعوا أن الولايات المتحدة أمة تأسست على قيم حرية الأديان والحريات المدنية الأساسية المنصوص عليها في وثيقة حقوق الولايات المتحدة، والتي شهدت تأييد الكونغرس والمحاكم مرارًا وتكرارًا في الولايات المتحدة. كما توقعوا الحصول على الاحترام الأساسي الذي تحظى به حقوق الأقليات في جميع أنحاء البلاد، سواء كانت هذه الأقليات عرقية أو دينية أو سياسية أو جغرافية أو اجتماعية. ومن المفترض أن يتبنى جميع الأمريكيين - التقدميين والمحافظين على حد سواء - هذه القيم الأساسية التي شكلت العمود الفقري لمجتمعهم الشامل والمتنوع منذ ما يقرب من 250 عامًا. إلا أن هذه الأمة لم تشهد هذا القدر من الانقسام مثلما هو الحال الآن، ولم تواجه من قبل هذا التحدي بصورته المتمثلة في استيعاب سبل البقاء بالنسبة لأي أقلية داخل مجتمع متنوع بهذا الشكل.
فاختلفت ردود فعل الأمريكيين خلال مواجهتهم لهذا التنوع العرقي والديني الكبير. واليوم، لجأ هؤلاء الذين شعروا بالتهديد من هذا التنوع الديني والعرقي إلى وضع المسلمين في موضع كبش الفداء، إلى جانب شعورهم المبالغ فيه بالخوف والكراهية والعداء تجاههم، والذي تغذيه الصور النمطية السلبية المأخوذة عن المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، فقد تُرجمت لغة الكراهية إلى جرائم تُرتكب على نحو متزايد ضد المسلمين وغيرهم ممن ينظر إليهم باعتبارهم مسلمين أيضًا. وتتزايد جرائم الكراهية كل عام منذ أحداث 11 سبتمبر، وتسفر عن مجموعة متنوعة من ردود الفعل الإيجابية والسلبية كذلك.
ردود فعل المسلمين الأمريكيين
تعلم المسلمون الأمريكيون الكثير منذ أحداث 11 سبتمبر، فقد أدركوا أنهم يواجهون تهديدًا متعلق بوجودهم، واختلفت ردود فعلهم تجاه ذلك. "في الوقت نفسه، حدث تمييز بين المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة وغيرهم من المسلمين في جميع أنحاء العالم، فقد تبنوا نظرية الدين المدني في أمريكا، والتي تمزج بين الشعور بالهدف الأسمى والشعور بالواجب المدني.
إن السبيل الوحيد لتخفيف حدة
التوتر المحيط بالدين في أمريكا وخارجها هو النظر إلى الإسلام باعتباره من الأديان
القائمة في أمريكا، وتحليل أسباب ردود فعل الجماعات المعادية للمسلمين تجاه
الإسلام بهذه الطريقة".
أطلق المسلمون الأمريكيون قائمة المبادرات التالية كرد فعل على اتهامات مجموعات الكراهية للمسلمين بأنهم لا يمكنهم الاندماج في الثقافة الأمريكية بسبب دينهم:
- تشكيل ائتلافات مع الأقليات الأخرى في أجزاء مختلفة من الولايات المتحدة.
- المشاركة في العملية الديمقراطية على مستوى المدينة والدولة والمستوى الفيدرالي.
- فتح أبواب المساجد أمام جيرانهم والإجابة على التساؤلات المختلفة حول الإسلام.
- إطلاق "يوم لقاء مسلم" (Meet a Muslim Day) لدعوة الناس لزيارة المسلمين في منازلهم أو مدارسهم أو مساجدهم.
- افتتاح عيادات جديدة لتقديم الرعاية الطبية المجانية للجيران.
- التطوع للعمل في المستشفيات وغيرها من الأماكن العامة.
- فتح المساجد كملاجئ للمتضررين من الكوارث الطبيعية بشكل متزايد.
- جمع التبرعات لصالح ضحايا عمليات إطلاق النار الجماعية وغيرها من الجرائم التي يرتكبها المتطرفون من جماعات العرق البيض وغيرهم.
- الانخراط أكثر في الاجتماعات المنعقدة لتعزيز الحوار بين الأديان.
- تشكيل، أو المشاركة في تشكيل، منظمات وطنية تتصدي لمجموعات الكراهية، مثل "كتفًا بكتف" (Shoulder to Shoulder) وائتلاف الفضائل (The Coalition of Virtues) وتحالف الأديان (Interfaith Alliance).
- كتابة الكتب والمقالات والمشاركة في المحادثات العامة والمحاضرات المقدمة في الجامعات ودور العبادة.
- بدء برامج المبادرات الشخصية في الكليات والجامعات لنشر المعرفة بالدين الإسلامي بناءً على احتياجات المجتمع، مثل تدريب الأئمة والقساوسة.
- إنشاء دوائر للدراسات الإسلامية في مختلف جامعات رابطة اللبلاب، وذلك من خلال المنظمات الإسلامية مثل المعهد العالمي للفكر الإسلامي (IIIT).
الطريق إلى المستقبل
يجب على جميع الأقليات المسلمة المتواجدة في الغرب إعادة الاستثمار في التعليم الديني وإصلاحه. فالمجتمعات بحاجة إلى تعليم الدين بأسلوب يتسم بالثقة والإبداع والتطور، دون إغفال توخي الحذر أيضًا.
من ضمن التحديات الكبرى التي تواجهها معظم المجتمعات هو الافتقار إلى تمثيل العديد من شرائح المجتمع، وخاصة شريحة النساء. لذلك، يتعين على المسلمين إنشاء نظام تمثيل متساوِ للنساء والشباب على حد سواء. ومن واقع ملاحظاتي، ينبغي أن ينطبق هذا على كل مجتمع مسلم قائم في العالم الغربي أجمع.
في الصلاة يجب أن يكون رجلاً. ولكن لا يعني ذلك أن نتجاهل أهمية دور المرأة في المجتمع، فينبغي علينا توفير الفرص المناسبة للمرأة حتى تشغل مناصب قيادية في مراكزنا الإسلامية ومساجدنا على الأقل.