
المرأة والثقافة وعملية السلام؛ مصالحة جزر الملوك خلال مرحلة ما بعد الصراع
- 2019-May-29
وُلد رونالد في وايبو، وسط جزر الملوك، في 31 يوليو عام 1989؛ وكان طفلاً منضبطًا نشأ في عائلة مسيحية متدينة. ولم يسبق له أن سمع عن أي قضايا متعلقة بالصراع المسيحي الإسلامي قبل عام 1998، واستمر الأمر على هذا الحال حتى عام 1999، حتى بدأت أعمال الشغب في أمبون والتي غيّرت كل شيء فجأة، فتصاعدت التوترات الاجتماعية بسرعة حتى وصلت إلى مدينة تيرنات. تمثل القوات الصفراء (Yellow Forces) المجموعة المسيحية، بينما تمثل القوات البيضاء (White Forces) المجموعة الإسلامية، وقد تم ترسيم الحدود غير المكتوبة بين الطائفتين المتنازعتين، مما يعني أنه من يجرؤ على عبور الحدود سيدفع حياته ثمنًا لذلك. استمرت الهجمات بين العصابات المسلحة، وأخذت في بعض الأحيان شكل المقاومة المباشرة باستخدام المناجل أو الأسلحة النارية محلية الصنع. وأحرقت المنازل ونُهبت الموارد وأصبحت الكنائس والمساجد مقرات لتلك المعسكرات. انتشرت الجثث في كل مكان، واضطر مئات الآلاف من ضحايا المجتمع المدني إلى الفرار خارج البلاد. تصور هذه القصة جزءًا من مأساة الصراع الذي دار في جزر الملوك، من بين ثماني قصص لرحلة "الهجرة " من العنف إلى بناء السلام (Delapan Kisah ‘Hijrah’ dari Kekerasan Menuju Bina Damai) التي نشرت بواسطة بوساد بارامادينا (Pusad Paramadina).
شكَّل الصراع الطائفي الذي نشب في جزر الملوك ذروة الفصل الاجتماعي الحاد الذي تم نتيجة غياب الدور السياسي المهم المسؤول عن حل هذه المشكلة. ورغم هذا الصراع، فهناك ثقافة مشتركة بين شعب جزر الملوك لم تتأثر بهذا الصراع، وهي روح التضامن بين الشعب (pela gandong). فقد أثمر هذا الحماس بين أطياف الشعب عن التوصل إلى المصالحة، ووسط جو من الفوضى العارمة وإحجام جميع الأطراف المتصارعة عن الجلوس معًا في سبيل إقامة حوار بنَّاء، شكلت ثقافة روح التضامن (pela gandong) بالفعل أحد العناصر المهمة التي ساعدت شعب جزر الملوك في إعادة بناء روابط الأخوة بينهم. من ناحية أخرى، رسَّخت أنشطة نساء "papalele" ونساء "jibu-jibu" اللواتي واصلن تنفيذ أنشطتهن الاقتصادية اليومية في خضم الصراعات المجتمعية لمفهوم الأمان في المجتمع بشكل غير مباشر، والذي أصبح آنذاك الأساس الرئيسي في بناء المصالحة خلال مرحلة ما بعد الصراع.
تلعب معظم النساء في إندونيسيا دورًا مهمًا في دعم الأنشطة الاقتصادية لصالح الأُسر. تتولى نساء "papalele" في مجتمع جزر الملوك مسؤولية الحالة الاقتصادية للأسرة، خاصة في المجتمعات ذات مستويات الدخل المنخفضة التي يعيش أفرادها تحت خط الفقر. أما نساء "Jibu-Jibu" فقد عملن كباعة متجولين يبعن المأكولات البحرية والمنتجات المصنعة من خلال التجول من قرية إلى أخرى؛ ولا يتوقفوا عن التجول إلا لجمع السلع لبيعها، وكذلك عملن نساء "papalele" كباعة متجولين يروجون لبيع منتجاتهم. عندما نشبت الصراعات في جزر الملوك، شهدت الأنشطة الاقتصادية شللاً تامًا، وتعرضت الأنشطة الاجتماعية في المجتمع للفصل، وأصبحت التفاعلات المجتمعية محدودة بسبب الحواجز المقامة بين المجتمعين، مما نتج عنه تفاعل مجتمعي محدود للغاية، وبلغت تلك الأمور ذروتها بإصابة السوق بالشلل التام، مما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث شلل اجتماعي بصورة أكبر عانى منه المجتمع ككل، ندرة في الموارد اللازمة لتلبية الاحتياجات اليومية الأساسية بسبب عدم توافر مرافق النقل العام والسلع والخدمات، مما أسفر عن حدوث مشكلة في نقل الإمدادات بالضروريات من خارج أمبون. وفي ظل هذه الظروف، حدثت ندرة في الموارد اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية، ثم ارتفعت أسعار الضروريات اليومية الأساسية. وعلى الرغم من تلك الظروف العصيبة، واصلت نساء "papalele" العمل جنبًا إلى جنب في مجتمعاتها بفضل روح التضامن الثقافي (pela gandong) التي تمتعن بها، وحاولن حل مشكلة ندرة البضائع من خلال تيسير توفير بعض السلع لتلبية احتياجات الأفراد في المجتمعات المتناحرة.
لجأت نساء "papalele" إلى إجراء المعاملات الاقتصادية في إطار الصراع المجتمعي في محاولة منها للخروج من دائرة العنف والصراع التي تقضي على الأنشطة الاقتصادية برمتها. وواصلن القيام بذلك متجاهلين ترسيم الحدود بين المجتمعات المعادية، على الرغم من أنه من المعروف أثناء مرحلة الصراع أن من يجرؤ على عبور حدود المجتمع المرسومة سيدفع حياته ثمنًا لذلك. أثمر هذا النشاط بشكل غير مباشر عن بناء عملية المصالحة الطبيعية على أيدي نساء "Jibu-jibu" ونساء "papalele" اللاتي رأين كيف أن للصراع تأثير سلبي على دخل الأسر المعيشية. بدأت عملية التفاعل على المستوى الشعبي بين مجتمعين معاديين بإجراء المعاملات الاقتصادية المحلية والمعاملات التجارية في السوق التقليدية، ولاحقًا تم بناء قنوات التواصل تدريجيًا من قبل طائفتين دينيتين، مما أثر لاحقًا بشكل غير مباشر وببطء على تصورات الأفراد ضمن الطائفتين الدينيتين المتصارعتين، فأدى ذلك إلى تحقيق المصالحة العملية في نهاية المطاف.
وبالمثل، فقد انعكس دور مساهمة المرأة باعتبارها من الجهات الفاعلة في تسوية الصراع في جزر الملوك على ظهور مختلف الحركات الاجتماعية، مثل حركة رعاية المرأة (Gerakan Perduli Perempuan (GPP))، وحركة تمكين المرأة والطفل (Lingkar Pemberdayaan Perempuan dan Anak (LAPPAN))، ومؤسسة (Ekkaleo)، و(Ambon EWS Social Conflict) وغيرها من الحركات الاجتماعية العديدة الأخرى التي ظهرت على الساحة الشعبية، والتي تشكلت جميعها بناءً على مبادرة النساء من المجتمعات الدينية المتصارعة في جزر الملوك اللاتي شاركن نفس التصور للسلام باعتباره شكل من أشكال تلبية الاحتياجات المتبادلة، وعملت تلك النساء كسفراء للسلام وعاملات في المجال الإنساني، وقدمن المساعدة للضحايا والدعم الاقتصادي للأسر، إضافة إلى أنهن عملن أيضًا كمفاوضين محليين ووسطاء وميسرين. فاستندت مشاركة النساء من جزر الملوك في عملية بناء السلام القائمة على المشاركة إلى هذه الإجراءات. إن العوامل التي يدفعها الشعور بالمسؤولية نحو الحفاظ على سلامة الأسرة، والاستدامة الاقتصادية للأسرة وحماية الأطفال، والتي ستشكل مستقبل الأسرة، والتصور المشترك للاحتياجات المتبادلة يساعد في إعادة إحياء المجتمع واستعادة الشعارات المحلية المتعلقة بثقافة العمل الجماعي والتعاون المتبادل والحاجة المتبادلة لإعادة اكتشاف معنى وحدة المجتمع في خضم اشتعال الصراع.
لذلك، فقد يشكِّل واقع التفاعل الاقتصادي بين المجتمعات الشعبية عاملاً محفزًا لإعادة بناء التفاعل بين الأشخاص الذين تأثروا سلبًا بالصراع. كما يشار إلى أن نساء (papalele) ونساء (jibu-jibu) قد ساعدن بالفعل في إعادة تعزيز الشبكات الاجتماعية وترسيخ المعتقدات في مجموعاتهن وخارجها، حتى أصبحن من الجهات الفاعلة في المجتمعات ونجحن في الحفاظ على ثقافة السلام (urang basudara (salam-salami)) خلال عملية توزيع الاحتياجات الضرورية، حتى لعبت أنشطة تلك النساء دورًا مهمًا في تحقيق التنسيق الاجتماعي. لقد نجح النشاط الاقتصادي المتمثل في البيع من قرية إلى أخرى في إعادة بناء العلاقات الاجتماعية، حيث تم بناء روابط الصداقة والأخوة مرة أخرى باعتبارها الركيزة الأساسية لعملية المصالحة، وتم النظر إلى الصراع في جزر الملوك باعتباره نقلة نوعية في التحول الثقافي في أبحاث السلام من خلال تعزيز الاعتراف بالعنصر التقليدي على أنه من الوسائل الرئيسية لتحقيق المصالحة.