المؤتمر الافتراضي "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام"
- 2021-Apr-22
نظم كلٌّ من المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، وجامعة نوتردام الأمريكية، بالمشاركة مع برنامج الدراسات العليا للكنيسة العالمية للأديان، الخميس 10 رمضان 1442هـ / 22 أبريل 2021م، مؤتمراً افتراضياً بعنوان "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام"، وذلك بحضور نخبة من العلماء من القيادات الدينية والأكاديميين والباحثين والمتخصصين، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي للمجلس.
وتأتي أهمية المؤتمر في كونه يأتي في يوم الأرض وبمشاركة قادة وعلماء ومؤمنين بأهمية مشاركة الأديان في وضع أساس للتفاهم المتبادل بين التقاليد والمجتمعات، وخلق أرضية مشتركة، والإلهام لعمل مشترك، من أجل إرساء السلام والازدهار البشري على هذا الكوكب الذي نتشاركه جميعاً.
ويجيب المؤتمر عن العديد من التساؤلات البيئية ودور الأديان في المحافظة عليها، منها كيفية خلق ازدهار أخضر حقيقي يدفع بالحوار المستمر والعمل المشترك بين الأديان والمجتمعات، وإمكانية أن تستند استجابتنا للتحديات البيئية والمجتمعية على الرحمة والعدالة والاعتراف بالمساهمات القيّمة للدين، وكيف يمكن للمؤمنين في جميع أنحاء العالم أن يتكاتفوا لخلق ثقافة عالمية من السلام والإخوة وتبجيل الخالق والخلق.
.............
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر الافتراضي "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام"، أشار معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إلى أهمية إدراك الجانب الخيّر في كافة الأديان التي تقدم مبادرات وبرامج مميزة وتلعب دوراً رائداً في تحقيق السلام، داعياً للعمل معاً بغض النظر عن الاختلافات بين الديانات والأعراق والثقافات والألوان لمواجهة التحديات التي تهددنا جميعاً دون تمييز، حيث علّمنا الوباء أن نواجه كافة التحديات واستثمار الفرص المتاحة لدينا بالتضامن والعمل المشترك.
وأضاف معاليه: "لابد من التضامن المشترك بين القادة الدينيين والأكاديميين في مواجهة الوباء ورسم خريطة المستقبل.. وعلينا الالتزام بأدوارنا الهامة من أجل خلق عالم جديد ومستقبل أفضل لجيل قادم من خلال حماية كوكبنا الأرض"، مؤكداً أنه لن نستطيع أن نحقق تقدماً ملموساً ولن نحرز الفارق في خدمة البشرية دون أن نعمل يداً بيد لتحقيق الخير للجميع.
ونوه الدكتور سكوت أبلبي، أستاذ التاريخ وعميد مدرسة مارلين كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أهمية المؤتمر في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة لتعزيز الكرامة الإنسانية، مؤكداً أن كلاً من الإسلام والكاثوليكية لا بد أن يكونا في طليعة الجهود العالمية من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار للجميع، داعياً للسعي إلى التعاون مع الشركاء العلمانيين ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز الأمن الإنساني.
وأضاف قائلاً: "نسعى لتيسير وصول الجميع إلى التعليم والوظائف والتكنولوجيا والمياه النظيفة حول العالم.. ويجب تقديم عناية عاجلة وكاملة لكوكبنا المشترك الأرض، والحفاظ عليه من كافة النواحي"، مشدداً على أن الكرامة لا غنى عنها لتحقيق العدالة الإنسانية، وأنه يجب تحقيق الكرامة بجهود الأديان والثقافات.
وقال القس كيفن سي رودس، أسقف أبرشية فورت واين في ساوث بيند، أن قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، مهتم بكوكبنا المشترك، وأن الكاثوليك والمسلمين وغيرهم مسؤولون عن حماية كوكبنا الأرض، والمحافظة على البيئة، فعظمة الخالق تتجسد في روعة الكون وبناء هذا الكوكب، وكذلك في خلق المخلوقات في العالم الذي نتشارك فيه معاً، مشيراً لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التي تم توقيعها في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث أكدت على التعاون بين الأديان من أجل عمارة الأرض وتحقيق السلام.
وأضاف: "الكنيسة الكاثوليكية تدرك المسؤولية المشتركة للبشرية في حماية الكوكب، وتدعو لتحقيق الانسجام في المنظومة الكونية بالابتعاد عن الأنانية في استغلال الموارد.. ويجب المحافظة على هبة الله لكل المخلوقات، فعدم احترام الموارد يؤذي المنظومة الكونية"، موضحاً أن هناك سياسة موحدة للكنيسة الكاثوليكية لحماية الكوكب، وبالتالي تحقيق الكرامة الإنسانية، وأن التعاليم الكاثوليكية تدعو لمواجهة الأزمة الحيوية العالمية ضمن محيط الأسرة الإنسانية واستخدام الموارد بمسؤولية وتوازن.
وقال فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، وأستاذ الفقه الإسلامي في جامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية، إن كل ما حولنا يعبد الله ويسبّح الله ويسجد له.. ونحن متسقون مع الكون والبيئة والطبيعة والأرض، مؤكداً أن أساس الإسلام هو الرحمة والرفق بكل الكائنات المحيطة بنا والتعامل برفق ومن دون عنف، موضحاً "علّمتنا الآداب الإسلامية، والأخلاق التي نربي عليها أبناءنا، محبة الكون والماء والهواء ومقاومة التلوث، فالإسلام يدعو للرفق وعدم إهلاك المحميات أو الغابات أو الإسراف في الأكل والشراب وغيرها".
وأضاف قائلاً: "نحن نتعاون مع إخواننا الكاثوليك ومع المعنيين منذ ربع قرن للحفاظ على البيئة وإعادتها لسابق عهدها، وعلينا الحفاظ على الجمال الذي خلقه الله، بإنشاء مبادرات تهتم بالإنسان والحيوان والأكوان.. ولدينا العديد من المؤسسات التي تهتم بالبيئة والأرض، ونسعى دائماً للعمل المشترك مع الجميع لتحقيق الكرامة الإنسانية".
.............
وبدأت فعاليات المؤتمر الافتراضي "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام"، التي قدمها كلٌّ من الدكتور تشارلز باول، أستاذ مساعد للحوار الإسلامي-المسيحي في كلية هولي كروس بجامعة نوتردام، والدكتور شاوجين تشاي، باحث أول في المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بجلستين؛ الأولى تحت عنوان "الكتاب المقدس والاستدامة.. وجهات نظر إسلامية وكاثوليكية حول الإنسانية والكوكب"، فيما جاءت الجلسة الثانية بعنوان "العقيدة الخضراء والانتعاش الأخضر.. نظرية وممارسة الالتزام المناخي والتنمية المستدامة".
وفي الجلسة الأولى، قال الدكتور فخر الدين مانغونجايا، محاضر أول في كلية برامج الدراسات العليا في الجامعة الوطنية بإندونيسيا، ومؤلف العديد من الأبحاث في موضوع البيئة، إن الحفاظ على البيئة وحمايتها من منظور ديني هو مصدر إلهام في التجربة الإندونيسية، مشيراً لوجود منظور أخلاقي إسلامي متميز في حماية البيئة، حيث تدعو تعاليم الدين الإسلامي لحماية البيئة وتحقيق التوازن البيئي في المواقع الطبيعية بالبلاد، داعياً لوضع حلول لحرق الغابات والأراضي عبر إصدار فتاوى مناسبة للبيئة والكون.
وأضاف: "الاستثمار في الصكوك الخضراء، وجمع الزكاة، وأموال الوقف، تساعد في تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة"، مؤكداً قيامهم كذلك بتدريب الأئمة والمشايخ وإعداد الخطب الدينية وتأهيل المدارس الدينية بالتركيز على السياق المحلي في حماية البيئة.
وقال القس تيرينس إيرمان، مساعد متخصص ومحترف زائر في قسم اللاهوت بجامعة نوتردام في الولايات المتحدة الأمريكية، إننا أبناء آدم وخَلْقُ الله.. وجمال أي شيء في الخَلْق في هذا الكون يأخذنا إلى الخالق، مؤكداً أن الربّ هو تجسيد للمحبة ونحن البشر نتشارك في محبته، وأنه لدينا سبع سماوات ملؤها الخير، موضحاً أن الربّ خلق إدراكاً لطبيعة الخَلْق وأحسن كل شيء خلَقَه بهدف ومعنى وحكمة وإدراك، فالربّ هو المسيطر وهو الذي خلق العالم من أجل الاستمرارية وتحقيق الخير للجميع.
ودعا إلى وجوب أن يتصرف المسيحيون في إطار مسؤوليتهم بالحفاظ على البيئة، فالجهل بالبيئة يعني الجهل بالمسيح، وكذلك احترام نِعم الله تعالى، باعتبار أن هذا لا ينفصم عن العلاقة مع المسيح الذي يعمل لاستعادة العلاقات مع الطبيعة، مشيراً أن الكتاب المقدس يُربطنا بالرب، لذا علينا توجيه الشكر لخالقنا على كل ما خلقه لنا في هذا الكون البديع.
.............
وفي الجلسة الثانية، قال الدكتور سيد إقبال حسنين، رئيس جامعة همدرد بالهند ومدير إداري لمعهد ديزرت سايد للتدريب بالإمارات العربية المتحدة، ونائب سابق لرئيس جامعة كاليكوت بالهند وأستاذ سابق في العلوم البيئية في جامعة جواهر لال نهرو بالهند، إننا نشهد ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض وتصاعداً بالانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة، وكذلك ندرةً في المياه، فضلاً عن انتشار الأوبئة، آملاً في الخروج من الوباء العالمي ووضع حلول للتغير المناخي والانتهاء من المشاكل البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة، منوهاً بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي بدأت في استخدام موارد الطاقة البديلة والطاقة النووية، رغم تمتع الدولة بالموارد النفطية، موضحاً أن هناك العديد من الدول تحذو حذو الإمارات في مجال الطاقة الخضراء.
وأضاف: "نحن بحاجة لمبادرات وبرامج عمل حقيقية، للخروج من الوضع المأساوي الذي سنواجهه في السنوات المقبلة، فالتغير المناخي يستهدف الجميع دون تمييز، ولابد من العمل معاً، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون.. ويجب على كافة الأديان العمل معاً لوضع حلول للتغير المناخي وخدمة البشرية جمعاء".
وأشارت الدكتورة كارول مولاني، مديرة في مكتب الاستدامة في جامعة نوتردام بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى وجود رابط كبير بين الاستدامة البيئية ومستقبل الكوكب، من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية، وهذا ما تؤكده التعاليم الكاثوليكية، داعيةً لتعزيز البحث الأكاديمي بإجراء بحوث رصينة وتعليم القيادات المستقبلية والتركيز على التعليم في الحياة اليومية، وضرورة العمل على تقليل الانبعاثات الكربونية واستعادة الموارد الخاصة بالطاقة والحفاظ على المياه كمسؤولية اجتماعية، وبالتالي حماية البيئة ككل، مؤكدةً على الصلة الكبيرة بين الدين والاستدامة بالقول "هذا ما نعمل عليه في جامعة نوتردام بتقديم المبادرات والبرامج التي تهدف لخير البشرية جمعاء".
وفي ملاحظاته الختامية على المؤتمر الافتراضي "حماية كوكبنا المشترك.. حوار يوم الأرض بين الكاثوليكية والإسلام"، استشهد سعادة الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بالآية القرآنية الكريمة "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" ليؤكد أن مسؤوليتنا تتمثل في الحفاظ على التوازن الطبيعي الذي أمر الله بعدم الاعتداء عليه، وأن مسؤولية أتباع الأديان السماوية والفلسفات الوضعية مسؤولية عظمى في حماية البيئة، داعياً للمحافظة على البيئة بكل مكوناتها الحياتية والمعيشية والنباتية والحيوانية والجمادية والحيوية، حيث حرّم الله الإفساد في الأرض بكل صوره، لأن الإفساد يهدد التوازن الذي صنعه الله، وأنه على الدول مسؤولية جماعية في محاربة التصحر ومساعدة الدول المتضررة وإيقاف التلوث الكوني، فمصيرنا واحد.
وختم سعادته كلمته قائلاً: "خير ما أختم به كلمتي هو مقولة للمغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في خطاب بمناسبة يوم البيئة الوطني الأول في الدولة عام 1998: "نحن شغوفون ببيئتنا لأنها جزء لا يتجزأ من وطننا، وتاريخنا، وإرثنا. لقد عاش أجدادنا في البر والبحر، واستطاعوا الصمود في هذه البيئة على الرغم من جميع تحدياتها. وبالطبع، ما كانوا ليفعلوا ذلك لو لم يدركوا ضرورة المحافظة على البيئة بأن يأخذوا منها حاجتهم فقط من مقومات البقاء، ويحمونها من أجل الأجيال القادمة. وبإذن الله تعالى، سنتابع العمل على حماية البيئة والحياة الفطرية في بلادنا، كما فعل أجدادنا من قبل. وإذا ما أخفقنا -لا قدر الله- في القيام بهذا الواجب، سيلومنا أبناؤنا على تبديد جزء أساسي من إرثهم، ومن تراثنا".
.............
جدير ذكره أن المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة منظمة دولية غير حكومية، يتخذ من العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقراً له، حيث يُعتبر بيت خبرة لترشيد المنظمات والجمعيات العاملة في المجتمعات المسلمة، وتجديد فكرها وتحسين أدائها من أجل تحقيق غاية واحدة؛ وهي إدماج المجتمعات المسلمة في دولها؛ بصورة تحقق لأعضائها كمال المواطنة وتمام الانتماء للدين الإسلامي. ويسعى المجلس، من خلال عقد المؤتمرات والندوات والأنشطة إلى توطين مفاهيم التعددية الدينية والعرقية والثقافية، بما يحفظ كرامة الإنسان واحترام عقيدته، وبما يرسخ قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للأوطان.