المؤتمر الافتراضي "دور القيادات الدينية في مواجهة الأزمات" يؤكد على ضرورة الأخلاق العالمية وحفظ الكرامة الإنسانية

  • 2020-Jul-22

أكد المشاركون في المنتدى الافتراضي العالمي، الذي عقدته منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، اليوم الثلاثاء 21 يوليو 2020، بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة تحت عنوان "دور القيادات الدينية في مواجهة الأزمات، أن أي نموذج عالمي للتنمية الشاملة والمستدامة ينبغي أن يستند إلى منظومة أخلاقية روحية، انطلاقا من مرتكزين أساسيين، هما ضرورة الأخلاق العالمية، وضرورة حفظ الكرامة الإنسانية.

ودعا المنتدى في بيانه الختامي إلى ضرورة الالتزام بمبادئ أساسية خمسة، أولها حق الإيمان واحترام الأديان، والمبدأ الثاني حق الحياة ونشر السلم، والمبدأ الثالث التضامن الإنساني والتعاون في بناء اقتصاد عالمي عادل، فيما نص المبدأ الرابع على الالتزام بثقافة التسامح في القول والسلوك، وأخيراً مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل.

وشدد المشاركون في المنتدى على أنه لتحقيق هذه الأهداف النبيلة والتعاون في بلوغ ثمراتها، لابد من تكثيف جهود القيادات الدينية لتقريب وجهات النظر والمواقف بشأن الطرق الناجعة لمعالجة هذه الأزمات، ومواصلة العمل المشترك من خلال خطة تنفيذية وبرامج عملية وحلول مبتكرة لمخرجات هذا الإعلان، لتقديم الحلول التي تنتظرها دول العالم وشعوبه، بما يحقق وظيفة القيادات الدينية في المدى الحضاري، ويعزز من دور القيم الإيمانية والأخلاقية ومساهمتها في معالجة الأزمات العالمية.


وفي كلمته الافتتاحية للمنتدى الافتراضي "دور القيادات الدينية في مواجهة الأزمات"، عبّر فخامة السيد إدريس ديبي إتنو، رئيس جمهورية تشاد، عن سعادته بالمشاركة في هذا المؤتمر بهدف تبادل الآراء المتعلقة بإيجاد حلول لهذه الأزمة غير المسبوقة في العالم ودور القيادات الدينية، مؤكداً أن جائحة كورونا تهدد منظومات الصحة والنسيج الاقتصادي، ما يتطلب عملاً كبيراً لحماية عالمنا، فالكراهية والبغض يهددان قيمنا وبلداننا، وكل النزاعات من حولنا تقوّض جهود السلام والأمن في العالم، داعياً إلى تسوية النزاعات التي تهدد السلم وتخلّف الضحايا ومواجهة الأمر بمساهمة وعمل القيادات الدينية.

فيما قال معالي الدكتور سالم بن محمد المالك، مدير عام منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، إن المنتدى يؤكد دور القيادات الدينية خلال الأزمات للخروج بتوافق على وثيقة تضامن أخلاقي عالمي، موضحاً أن جائحة كورونا أذهلت الإنسانية بخلق عدم الثقة والقلق، ما دعا لتغليب الروحانية وإشاعة الطمأنينة والحوار على أساس العقلانية وتقبل الآخر، فالدين الإسلامي الحنيف منبع للحكمة وقيم التسامح ويجب تفعيل دور القيادات الدينية لصون المكتسبات الدينية وتغيير سياسات معتادة في الأزمات، مستعرضاً مبادرات "الإيسيسكو" في مواجهة كورونا، مثل بيت الإيسيسكو الرقمي وجائزة أفضل عقار طبي، وغيرهما.

بدوره، قال معالي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، إن الدور المناط بالقيادات الدينية كبير وتلحّ أهميته عند الحوادث الطارئة ذات الصلة بالأهمية الشرعية التي تتطلب حسماً علمياً بفقه النص الشرعي أو الاستطلاع البحثي، مؤكداً أن هذا يتطلب خطاباً إسلامياً مستنيراً يؤطر المادة العلمية بجمال وجلال الشريعة الإسلامية متوخياً الوصول للحق بدليله أداءً للأمانة على هدي سماحة الإسلام، فالأمة الإسلامية والإنسانية أحوج ما تكون لأفق العالِم المستنير، وتكمن أهمية تصدي القيادات الدينية وقت الأزمات، في التطلع لحلولهم وإسهامهم بحفظ عالمنا، داعياً إلى الإسهام الإسلامي المهم للغاية مشمولاً بعلماء المسلمين وفي مقدمتهم القيادات الدينية كون التصدي للمستجدات فريضة دينية وأخلاقية وإنسانية.

وفي كلمته، قال معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن أزمة كورونا تستهدف البشرية جمعاء دون استثناء، لذا يجب أن تكون المواجهة شاملة، موضحاً أنه مع تفشي الأزمة، فزعت الشعوب للأديان لاستلهام الحلول وتطلعت للقيادات الدينية كرموز ترشدها وتوجهها، مشدداً أنه لا يمكن إلغاء دور القيادات الدينية إلا إذا ألغت هذه القيادات دورها بنفسها، وعليها أن تقوم بدورها الإيجابي والمسؤول والمشترك، داعياً إلى تفعيل دور القيادات الدينية بالسعي لإبراز القيم النبيلة المشتركة لصناعة ثقافة محبة وسلام في مواجهة الأزمات كفريق واحد، إذ يتوجب على القيادات الدينية أن تدرك مسؤولياتها الحقيقية وحدود هذه المسؤوليات واحترام أبعاد الزمان والمكان، وكذلك احترام التخصصات وإدراك دور الآخرين في الأزمات، وتوظيف التوجيهات الشرعية بشكل ملائم، واحترام القرارات السيادية التي تصدرها الجهات السياسية في مختلف الدول، فلكل دولة أنظمتها ولوائحها الخاصة.

وقال معالي الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، إن الأمم التي لا تُبنى على الأخلاق والقيم تحمل عوامل سقوطها في أصل بنائها وأسس قيامها والتاريخ الإنساني خير شاهد، وأن سنّة الله تؤكد أن البقاء للأصلح، فمعيار الأخلاق ثابت، والأخلاق لا تتجزأ ولا تقبل الازدراء أو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مؤكداً أن كل الشرائع السماوية تدعو للعدل والوفاء بالعهد والأمانة وصدق الحديث وبر الوادين وحرمة مال اليتيم والكلمة الطيبة ومراعاة حق الجوار على كل المستويات (فردي، قبلي، مجتمعي، دولي)، مؤكداً أنه يجب على رجال الدين عدم المتاجرة بالدين أو الاستغلال السياسي لتمرير مصالحهم تحت راية الأديان.

وفي كلمة لفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ألقاها الأستاذ الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، قال فيها إن الأديان جاءت لترسيخ السلام بين الناس والتأكيد على حرمة الدم وتوفير بيئة أخلافية للجميع دون تمييز، فعلاقة الناس ببعضها في القرآن الكريم هي علاقة تعارف وتعاون وتآخٍ ولا مكان للصراع أو الهيمنة، والقرآن يؤكد اختلاف الناس وعدم حشدهم في دين أو لون واحد، والأخلاق جوهر رسالة نبي الإسلام محمد (ص)، مؤكداً أن مجتمعاتنا تعاني من خلل ديني وأخلاقي، والمجتمع الدولي مطالب ببذل المزيد من جهود التعاون ولاسيما في مواجهة الجائحة، وأن العالم أحوج ما يكون لمبادئ الأخوة الإنسانية، وهذا ما ظهر في قدرة القيادات الدينية في كونها قدوة بالتضامن الأخلاقي، مستشهداً بالدور التاريخي للقيادات والمؤسسات الدينية البارز الذي تجلى في "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي تم توقيعها في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ومبادرة "الصلاة من أجل الإنسانية".

جدير ذكره أن العديد من المؤسسات والهيئات الدينية والفكرية العالمية شاركت في أعمال المنتدى، وهي الأزهر الشريف، والمجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية، واللجنة الدولية العليا للأخوة الإنسانية، والفاتيكان، والمجلس البابوي للحوار مع الأديان، وإدارة الحوار بين الأديان في اللجنة اليهودية الأمريكية، ومركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين الثقافات وأتباع الأديان، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، ودار الإفتاء في أذربيجان والقوقاز، ودار الإفتاء المصرية، وجامعة القرويين، ومؤسسة جلوبيتكس، ومجلس حكماء المسلمين، والجامعة اللبنانية، وجامعة سنغافورة الوطنية.


توصيات المؤتمر

وأصدر المنتدى عشر توصيات، تلاها الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، في الجلسة الختامية، وتضمنت:

1- تجميع وتوثيق مبادرات المنظمات المتخصصة والهيئات المدنية والدينية لمواجهة وباء كورونا المستجد، وفي مقدمتها المبادرات النوعية التي أطلقتها الإيسيسكو، ودعوة الجهات المانحة والراعية إلى تقديم الدعم لهذه المبادرات لتحقيق أهدافها الإنسانية النبيلة.

2- تكليف الإيسيسكو برفع إعلان المنتدى إلى الدول الأعضاء والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بالعمل المشترك.

3- تكليف الإيسيسكو بإعداد دراسة شاملة حول موجهات تجديد الفكر الديني الأخلاقي لمعالجة الأزمات، انطلاقًا من مضامين هذا الإعلان وموجهاته.

4- تكليف الإيسيسكو بإعداد خطة تنفيذية وبرامج عمل عن دور الأخلاق الإنسانية المشتركة في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ودعوة الجهات المتعاونة والراعية إلى تمويلها.

5- تأكيد مسؤولية مؤسسات التنمية البشرية في ضرورة إعداد مدونات لأخلاقيات قطاعية في مجال البحث العلمي والذكاء الاصطناعي، والرياضة، والاقتصاد، والإعلام والاتصال؛ والتدريب عليها، وإدراجها ضمن المقررات والمناهج الدراسية.

6- صياغة إطار تعاوني لمأسسة القيم الأخلاقية الدينية والإنسانية المشتركة بين السلطات التشريعية والتنفيذية ومنظمات المجتمع المدني.

7- بلورة رؤية إنسانية تضامنية متوازنة لقضايا الهجرة بين الدول المعنية، واعتبارها عنصر إغناء وتنمية بين دول العالم.

8- تحقيق نموذج لمواطنة تستوعب القضايا الوطنية والخصوصيات المحلية والقضايا الإنسانية العالمية، وبخاصة في أوساط الشباب لتمكينهم من القيام بأدوار الوساطة الثقافية.

9- تأهيل العاملين في المؤسسات والمعاهد الدينية لتمكينهم من القيام بدورهم في معالجة قضايا الشأن العام.

10- إدراج التراث الديني والروحي المادي وغير المادي للإنسانية في المقررات والمناهج الدراسية.

وقد تضمنت أعمال المنتدى جلسة افتتاحية وثلاث جلسات علمية متخصصة شهدت نقاشات ثرية وأفكارا خلاقة، حيث تناولت الجلسة الأولى محور المبادرات والممارسات الفضلى للمؤسسات الدينية خلال أزمة كوفيد 19، فيما ناقشت الجلسة الثانية الملامح التجديدية والمستقبلية للفكر الديني وآليات العمل في استثمار مكتسبات الأزمات ومعالجة انعكاساتها السلبية، وبحثت الجلسة الثالثة آفاق العمل المؤسساتي المشترك بين القيادات الدينية حول العالم.

اشترك

اشترك في القائمة البريدية لتبقى علي تواصل دائم معنا