المؤتمر الافتراضي "المقاصد العليا للسلم في الإسلام" يدعو لإعلاء مبدأ التسامح والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب

  • 2020-Aug-29

أكد المشاركون في المؤتمر الافتراضي "المقاصد العليا للسلم في الإسلام"، الذي نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة اليوم السبت 29 أغسطس 2020، بمشاركة عدد من أصحاب المعالي والفضيلة والعلماء، أن قرار الحرب والسلم من السلطة الحصرية لولي الأمر، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتدخل في تحديده أو القيام به أي أحد آخر غيره من داخل دولته أو من خارجها، وهذا ما يُعرف في العالم المعاصر بمفهوم السيادة الوطنية، داعياً العلماء والمفكرين والباحثين إلى إعلاء مبدأ التسامح والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب وصون كرامة الإنسان دون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق.

وبحضور عدد من القيادات الدينية والمفتين من جمهورية مصر العربية وجنوب أفريقيا وأستراليا وروسيا والسويد وبريطانيا واليونان وسريلانكا وكندا وباكستان والبوسنة والهرسك والهند والولايات المتحدة وإستونيا وغيرها من دول العالم، دعا المؤتمِرون إلى التأكيد على أن قواعد السياسة الشرعية عند المسلمين على مر التاريخ تحمّل ولي الأمر مسؤولية مَن يدير شؤونهم، وعليه أن يقدر مصالحهم في الحال والاستقبال، وأن يتخذ من القرارات والتصرفات ما يحافظ على مصالحهم، ويحفظ أمنهم واستقرارهم ورفاهيتهم..

وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر الافتراضي "المقاصد العليا للسلم في الإسلام"، الذي حضره أكثر من 100 مشارك ومشارك، قال معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن موضوع السلم ذو أهمية كبرى، والتوعية بالفهم الصحيح لمفهوم السلم ومواجهة خطاب التطرف، وعلينا أن نكون فخورين بالدين وثوابته ومدركين للمتغيرات بترسيخ إنسانية الدين، موضحاً أنه حدثت تغييرات في طبيعة كل المجتمعات، وعندما نتحدث عن الإسلام فهناك أكثر من 600 مليون مسلم يعيشون في دول غير مسلمة يجب وضع مصالحهم في الاعتبار.

ودعا معاليه إلى التأسيس لثقافة تؤدي لمرجعية إسلامية تأصيلية صحيحة لمفهوم السلم، وتجنب عدم الفهم الصحيح لمفهوم السلم أو لخطاب التطرف الذي استحوذ على الكثيرين باسم الإسلام، مؤكداً أن إسلامنا هو دين الرحمة والسلام، وضرورة تكرار الحديث عن ثوابت الدين حتى لا تطغى الأصوات الشاذة وتتحول إلى مرجعية للشباب المسلم.

وشرح معالي الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية، كلمات السلم والسلام والإسلام، مؤكداً أنها تنتمي إلى جذر لغوي واحد هو مادة "سلم" فأهم ما يميز هذا الجذر اللغوي هو معاني السلم والمسالمة، لأن الإسلام دين السلام ونبينا نبي السلام وتحية الإسلام والمسلمين السلام والجنة دار السلام.

وأضاف وزير الأوقاف المصري: "نهانا الحق سبحانه وتعالى أن نسيء الظن بمن يلقي إلينا السلام، وفلسفة السلم هي القضية الراسخة في الفكر الإسلامي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً...}، فالسلام في الإسلام سلام شامل مع النفس والآخر والمجتمع والحيوان والجماد ومع الكون كله، ونؤكد وباطمئنان أن ديننا هو دين السلام وفلسفة السلام هي الفلسفة الأصيلة الراسخة في الإسلام".

وقال سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة، إن الأمان والسلام نعمتان عظيمتان وهما أساس في الحياة والتقدم والعمران ومطلب ضروري لكل البشر، مؤكداً أن ديننا الحنيف جاء ليقيم العلاقات بين البشرية على قواعد متينة من العدل والسلام والارتقاء إلى مستوى التعارف والتعاون، فالسلام أساس الحياة والتقدم والإعمار والحرب هي الاستثناء، وقد أمرنا ديننا لنشر السلم بين الناس.

وأوضح أن ما قامت به دولة الإمارات من معاهدة سلام سيحقق للشعب الفلسطيني وللمقدسيين بالخصوص مكسباً عظيماً، مشيراً إلى قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي بدورته الـ22 بدولة الكويت (22-25 مارس 2015)، بشأن زيارة القدس: الأهداف والأحكام الشرعية، حيث يرى المجمع أن تقدير هذه المصالح يعود إلى المختصين من أولي الأمر والسياسة في بلاد المسلمين، ويؤكد أن القدس الشريف للمسلمين جميعاً والقدس قضية الأمة بأجمعها ومن الواجب نصرتها وتأييد أهلها وأهل فلسطين ودعمهم، وأن الحفاظ على المسجد الأقصى من جملة إيمان المسلمين ومسؤولياتهم.

وبدوره، قال سعادة الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن السلم ركيزة في الأديان وعراقة في صلب التاريخ، وأن الدخول في السلم من كليات الشريعة والسلام أساس الإسلام الذي ابتدأ بترسيخه كأساس للمعاملات ابتداءً من التحية، مؤكداً أن حفظ النفس ضرورة سامية لا يمكن تحقيقها دون حفظ الأوطان واحترام سيادتها، حيث يُعتبر السلم نقطة جوهرية في تحقيق غاية وجود الإنسان من الاستخلاف وإعمار الأرض.

وأكد فضيلة الشيخ بويار سباهيو، رئيس المشيخة الإسلامية في جمهورية ألبانيا، أن ديننا الإسلامي هو دين التسامح والمحبة والسلام، وأن الإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة ولا غرابة في أن كلمة الاسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، موضحاً أن الإسلام نبذ العنف والتطرّف، وأنه لو ألقينا نظرة خاطفة إلى عموم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لوجدنا انهم جميعا قد اتخذوا السلم منهجا وهدفا تقوم على أساسه كل تحركاتهم، مؤكداً أن من نتائج السّلم العائدة على المجتمع جعل الحياة البشريّة أكثر استقراراً ومُتعةً ورفاهيّةً، وتحقيق الأمن الإنسانيّ والتّأكيد على أنّ الإنسان أهمّ من الأرض، والحدّ من الهِجرات السُكانيّة الهائلة.

فيما قال فضيلة الشيخ أبو بكر أحمد، مفتي الهند، إن الله تعالى خلقنا مختلفين ومتنوعين لنتعايش معاً ونتعاون من أجل إحلال السلام للجميع، وبالتالي فالحفاظ على الأمن والاستقرار من أهم ركائز وجود النوع البشري، حيث لم يأمرنا الإسلام يأمرنا بمحاربة الأديان الأخرى، بل الله نصر الإسلام بالأخلاق الحميدة، مؤكداً أن الإرهاب والتطرف ليسا من الإسلام، بل ديننا هو دين المحبة والرحمة والسلام والأخلاق، منوهاً لتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز السلام في العالم، وبأنها في مقدمة الدول التي تسعى للاتحاد والتعاون بين الشعوب والأديان.

وبدوره، نوه فضيلة الشيخ نفيع الله عشيروف، مفتي ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي القسم الآسيوي لروسيا الاتحادية، إلى أهمية السلام في حياة الفرد والمجتمع، فمن خلاله ينعدم العنف والعداوة والخوف والحروب، وهو فطرة في الإنسان ضد الحرب والعداوة والتفرقة، مؤكداً وجود السلام الداخلي داخل الدولة، وكذلك السلام الخارجي السياسي الذي يحتاجه العالم للقضاء على الصراعات والعنف بين الدول ومدى حاجتنا كذلك لتطبيق وتعزيز السلام داخل العائلة وفي كل مناحي حياتنا، فالدين الإسلامي جاء لترسيخ الأمن والسلام بين أعضاء المجتمع الإنساني فهو أساس لإرساء القيم الإنسانية، والسلام هو تحية الإسلام.

وأشار فضيلة الشيخ إلدار ياسين، مفتي الجمعية الإسلامية الإستونية، إلى تجربة المسلمين في شرق أوروبا الذين يدركون أهمية السلم والسلام جيداً بسبب الحرب العالمية الثانية، مؤكداً أن القارة الأوروبية تعيش في سلم منذ نصف قرن نعمة الأمان، وضرورة أن نعلم أولادنا السلم ونورثه للأجيال القادمة.

وقال فضيلة الشيخ علاء السيد، عضو مجلس العلماء في كندا، إن نمط الحياة الإسلامية سبق كل الشرائع، هذا النمط الذي حافظ على كل شيء في حياة الإنسان، فالإسلام أرسى دعائم السلام في حياتنا لنمارسها بشكل صحيح بما يحافظ على حياتنا وحياة الجميع، داعياً لضرورة تعزيز الأخوة الإنسانية، فللجميع حقوق علينا ولا يمكن إيذاء الآخرين بل ترسيخ المودة والرحمة والأخلاق وهي من أسس السلام في الإسلام، وكذلك إعادة بناء السلام في داخلنا والعيش بترسيخ قيم الإسلام لنكون أفراداً صالحين ومنتمين لمجتمعاتنا.

وأكد فضيلة الشيخ إبراهيم موجرا، نائب الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا سابقاً، إن لكل مجتمع ديني الخيار فيما يمارسه من حرية الأديان في ظل الاختلاف الذي نعشيه، قائلاً إن ديننا يعلمنا كيفية احترام الاختلاف وتأسيس التعايش السلمي بين الأديان بإفشاء السلام، ويؤكد على حقوق البشر بتحقيق أمانهم، فليس لدينا خيار إلا إن نكون مسلمين ومسالمين، مضيفاً أننا كمسلمين علينا أن نكون مشاعل للسلام لنكسب الصداقات والأخوة ونعطي صورة حسنة عن ديننا.


وأجابت جلسات الندوة على عدة تساؤلات طرحها المؤتمر، مثل ماهية المقاصد العليا لتأسيس العلاقات الدولية على السلم عند المسلمين، كإشكالية نظرية ذات أبعاد واقعية متشعبة، وكذلك إمكانية تحقيق الاستخلاف وتعمير الأرض بدون السلم مع التأكيد على أن الاستخلاف وتعمير الأرض هما الغاية العليا من خلق الإنسان في هذا الكون، وكيفية تحقيق التعارف بين الشعوب والقبائل الذي يمثل هدفاً للتنوع البشري بدون السلم والأمن والاستقرار.

كما ناقشت الجلسات أسباب منع الله سبحانه وتعالى نصرة المسلمين المستضعفين إذا تعرضوا للاضطهاد من قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق "كما ورد في الآية 72 من سورة الأنفال، وما إذا كان ذلك دليلاً قاطعاً على أولية السلم واحترام العقود والمعاهدات على رابطة الأخوة الإسلامية، وكذلك معرفة الحكمة من الدعوة الربانية التي تأمر المسلمين بالدخول في السلم كافة كما ورد في الآية 208 من سورة البقرة، واعتبار كل ما يخالف السلم إتباعاً لخطوات الشيطان.


وبعد المناقشات المستفيضة والبحوث المقدمة خلص المؤتمرون إلى التوصيات التالية:

أولاً: السلم هو أصل وأساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهو القاعدة التي تنطلق منها العلاقات الدولية في الإسلام، والحرب حدث طارئ لا ينبغي أن يستمر أو يطول، ولابد من العودة للسلم لأن به تتحقق مصالح العباد والبلاد.

ثانياً: الاصل في تعامل المسلمين مع غيرهم أنهم دعاة سلام وتحيتهم السلام، وإعدادهم للقوة واستعدادهم بها لردع المعتدين وليس للقضاء عليهم، فدعوة القرآن لإعداد القوة "ترهبون به عدو الله وعدوكم" هي دعوة لمنع وقوع الحروب.

ثالثاً: يجب أن يعمل العلماء على إحلال الحوار بين الأديان والحضارات والثقافات والشعوب محل الاحتراب والاقتتال والتنافر، وأن تكون غاية دعوتهم وخطابهم الديني حقن الدماء، وحفظ مصالح الناس، وحماية الأوطان، وتحقيق السلم العالمي.

رابعاً: دعوة العلماء والمفكرين والباحثين إلى إعلاء مبدأ التسامح، والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وصون كرامة الإنسان دون تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق.

خامساً: التأكيد على ما جاء في وثيقة مكة المكرمة التي أقرها 1200 عالم وفقيه يمثلون جميع شعوب العالم الإسلامي ودوله في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك 1440 هجرية، الموافق 30 مايو 2019م، والتي تمثل امتداداً وتأسياً بوثيقة المدينة التي أسس عليها النبي صلى الله عليه وسلم أول مجتمع مسلم متعدد الأديان والأعراق، ونؤكد هنا على البند الرابع في وثيقة مكة الذي ينص على: "التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يُبرر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية «إيجابية»، وتواصلاً فاعلاً يجعل من التنوع جسراً للحوار، والتفاهم، والتعاون لمصلحة الجميع، ويحفز على التنافس في خدمة الإنسان وإسعاده، والبحث عن المشتركات الجامعة، واستثمارها في بناء دولة المواطنة الشاملة، المبنية على القيم والعدل والحريات المشروعة، وتبادل الاحترام، ومحبة الخير للجميع.

سادساً: التأكيد على قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول زيارة الأقصى، في الفترة من: 2-5 جمادى الآخرة 1436هـ، الموافق :22-25 مارس 2015م، بخصوص مشروعية زيارة المسجد الأقصى باعتبارها من السياسة الشرعية المختصة بولي الامر، والذي ينص على "ويرى المجمع أن تقدير هذه المصالح يعود إلى المختصين من أولي الأمر والسياسة في بلاد المسلمين. ومن الضروري تذكير جميع المسلمين بأن: قضية القدس الشريف قضية الأمة بأجمعها، وأنه من الواجب نصرتها وتأييد أهلها وأهل فلسطين ودعمهم".

سابعاً: التأكيد على أن قواعد السياسة الشرعية عند المسلمين على مر التاريخ تحمل ولي الأمر مسؤولية من يدير شؤونهم، وعليه أن يقدر مصالحهم في الحال والاستقبال، وأن يتخذ من القرارات والتصرفات ما يحافظ على مصالحهم، ويحفظ أمنهم واستقرارهم ورفاهيتهم.

ثامناً: التأكيد على ما استقرت عليه الممارسات السياسية على مر التاريخ الإسلامي؛ وما أُسست عليه قواعد ومناهج السياسة الشرعية، وما يسير عليه القانون الدولي المعاصر من أن قرار الحرب والسلم هو من السلطة الحصرية لولي الأمر، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يتدخل في تحديده أو القيام به أي أحد آخر غيره من داخل دولته أو من خارجها، وهذا ما يُعرف في العالم المعاصر بمفهوم السيادة الوطنية.

وفي نهاية الندوة، وجّه المشاركون برقية شكر وعرفان لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقيادتها الحكيمة، وجهودها المستمرة في خدمة البشرية، والدعوة لها ولشعبها بدوام السلم والسلام، راجين من المولى أن يرفع عنها وسائر البلاد وباء كورونا. كما توجهوا بالشكر للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، لسعيه الدائم لخدمة قضايا المجتمعات المسلمة والحفاظ على ديمومة التواصل مع ممثليه.

اشترك

اشترك في القائمة البريدية لتبقى علي تواصل دائم معنا