العيش معًا في ظل الاختلاف: نماذج تقاليد "عائلة الأم" من الهند.
- 2019-May-22
يُعد نظام عائلة الأم أو ما يعرف بـ"الأخوال" في الميراث سمة مميزة لمجتمع المسلمين الذين يعيشون على الحدود الساحلية للمحيط الهندي، حيث تظهر الجرأة والبطولة النسوية للعامة في أبهى صورها واعترف بها اجتماعيًّا، وقد نشأ هذا النظام وتطور بين المجتمعات الإسلامية نتيجة الدمج بين أخلاقيات البلاد وبين الثقافة الإسلامية، وساعد على ازدهار ذلك ودعمه العائلات ذات الميول الدينية باعتباره جزءًا من تقاليدهم العائلية. فرغم اعتناقهم الإسلام، فهم لم يغيروا عاداتهم العائلية المعهودة، حيثُ حظيت النساء بشهرة داخل عائلتها كما أصبحت السلطة النسوية العليا لمجتمع "الأخوال" مصدرًا للقوة وكانت تنفذ الطقوس الاقتصادية والاجتماعية والعادلة داخل بيت الأجداد.
احتفالات قرابة "الأخوال"
كان نظام "الأخوال" يتقبل الطبيعة الفريدة للعيش معًا في ظل الاختلاف دون أي تفرقة عنصرية بين أفرد العائلة والعادات الاجتماعية، فقد كان عدد طقوس حفلات الزفاف فريدًا وتتميز بأشكالها المتميزة المستوحاة من محاكاة الثقافات المختلفة، فقد كان مجتمع "الأخوال" يحتفل بالزيجات باعتبارها مهرجانات خاصة بالعائلة والأصدقاء. وكان الناس يتبادلون المساعدات في صنع حدث أكثر بهجة وفاعلية ويقدمون كل أشكال الدعم. وكان المغنون والراقصات التقليديات يحظون بمتعة المشاركة في هذا المهرجان الثقافي. كما كان الناس يقدمون شتى المساعدات لكي يصنعوا حدثًا مبهجًا وفعالًا من الناحية العاطفية دون انتظار تعويض أو مكافأة، كما كانت هناك مجموعات خاصة لأداء الأغنيات المؤلفة خاصة لكل زيجة وكانت تتضمن اسم العروس واسم العريس وأسماء أفراد عائلتيهما.
كما كانت المجموعات القادمة من منزل العروسة ومن منزل العريس تتنافس على أداء الأغنيات، فقد كان بعض شعراء الارتجال والمغنون يؤلفون أبياتًا وليدة اللحظة ويستعرضونها لكي يهزموا أفراد المجموعة المنافسة، لقد كان الزواج مهرجانًا إقليميًّا للقرية حتى يشارك الجميع في إقامة الحفل من خلال العمل الجاد لإنجاحه.
تقليد بيوت "الأخوال"
لقد انعكست المحاكاة الثقافية أيضًا على طراز بيوت "الأخوال"، التي كانت تظهر معمارًا تقليديًّا يناسب المناخ ومواد البناء المتاحة وحرفية البنائين المخضرمين، فقد كان المسلمون وغير المسلمين يبنون بيوتهم على الطراز ذاته بحسب حالتهم الاقتصادية، ولم تكن منازل أجداد المسلمين التقليدية سوى نسخة من البيوت الهندوسية وقد بنيت جميعها طبقًا لنظام فاستو المعماري، حيث كانت جميع غرف المنازل الهندوسية والإسلامية مرمزة بالأسماء نفسها في عدة مناطق، وكانت بعض أجزاء من البيوت الإسلامية مخصصة لغرض ممارسة الطقوس، حيث كانت المنازل الهندوسية تحتوي على غرفة بوجا الخشبية، كانت البيوت الإسلامية تحتوي على منصتين معلقتين على كلا جانبي مدخل البهو، مكان خاص لأداء الفنون الطقوسية التقليدية مثل الموالد.
وكانت هذه البيوت الضخمة في المعتاد عبارة عن طابقين وسلم خشبي يصل إلى الطابق العلوي ويوضع في هذه المنطقة. لقد كان المكان جزءًا مهمًّا عندما كان البيت يحتفظ بتقليد نمط الأخوال، الذي كانت تخصص فيه غرف الأزواج الذين تزوجوا من فتيات المنزل، وكان هذا الجزء في المعتاد يسمى أريكة، فراش خاص بجانبه مكان للراحة لزيارة الأزواج. وجميع الأشخاص الآخرين الذين يعيشون في المنزل كانوا يعيرون احترامًا شديدًا واهتمامًا بالغًا لهذا الشخص الذي يعد ضيفًا عزيزًا على العائلة برغم طول مدة مكوثه، كما كان الفناء المركزي هو مركز المنزل، حيث كانت النافذة المربعة العلوية تمنح مزيدًا من الحرية للاستمتاع بجمال الطبيعة داخل المنزل. ومن ثم كان هذا النظام يحتفظ ببرودة المنزل ومواكبته المواسم المناخية الخاصة التي تمر بها مالابار. لقد كان هذا تقليدًا خالصًا لبيوت غير المسلمين التقليدية في أساليب الحياة التي يسلكها المسلمون، مع إضفاء بعض اللمسات الإسلامية لكن معظمها متسقاه من مختلف العلاقات الثقافية. فإذا كانت النافذة بفتحة صغيرة فإنها تسمى نادفاكام، حيث ترى السماء من خلالها بينما يستمتع سكان البيت بالهواء الصافي. وقد كانت تلك بنية معمارية تساعد الناس على العيش مع الطبيعة وظروف الطقس.
المحاكاة في حفلات الزفاف
حتى مع حفلات الزفاف كان التقليد الثقافي ينعكس جليًّا. فالنكاح هو الاحتفال الديني المهم والمميز في الزيجة الإسلامية. إلا أن العرف التقليدي لمدينة مالابار ألا يكتمل الزواج إلا بعد أداء مهمة تسمى الخطوبة، وفي بعض الحالات يتم تقليد النكاح بعد أشهر أو سنوات من الخطوبة، وفي بعض التقاليد الأخرى، يمكن حدوث النكاح في يوم الخطبة ذاته، حين يذهب العريس وصديقه لزيارة منزل العروس. فتبعًا للممارسات المعتادة لنظام الأخوال، فإن عقد النكاح يتم في المعتاد داخل بيت العروس أو في المسجد المجاور لبيتها. أما الأنشطة الأخرى بخلاف عقد النكاح فهي مشابهة تمامًا للخطبة عند المسلمين وعند الهندوس. فعلى غرار نظام تالي شارذل الهندوسي، يلف العريس المسلم المهر حول عنق العروس عند أول زيارة لها، وفي النظام التقليدي لدى المسلمين والهندوس، ينظم لحفلات الزفاف ويساعد وسطاء الزواج من أفراد العائلة أو الأصدقاء أو كبار العائلة في إيجاد الزوجين المناسبين. فيلتقي كبراء العائلة من الرجال لكي يتقدموا لخطبة الفتاة ويحددوا موعدًا للزواج، يسمى رسميًّا الزفاف. وفي كلا النظامين، يكون تزيين عش الزوجية ضربًا من الفخامة وأسلوب الأخوال، حيث ينفقون عليه الكثير لكي يرتبوا غرفة خاصة للعريس في منزل العروس ويحاولون على قدر عال من الأناقة. وفي هذه الحالة الخاصة، يحرص أفراد عائلة العروس أثناء تنسيق عش الزوجية، بحيث يكون مناسبًا بما يكفي لكي يواكب مكانة كلتا العائلتين. كما يوجد تقليد برؤية عش الزوجية قبل حفل الزواج، فيه يزور الأهل والأصدقاء عش الزوجية. والآن أصبح عش الزوجية يسمى عش اختصارًا للكلمة.
تقاليد الأخوال في المقابر
حتى في نسب الأخوال، وصلت المرأة أيضًا إلى مناصب
دينية عليا مثل القاضي، الذي اعتاد تحديد تاريخ العيد ورمضان وما إلى ذلك. وقد
اعتادت العائلات المسلمة من أصحاب العادات القديمة أن تتبع تقاليد الأخوال داخل
مقابرهم المخصصة. وها هو منزل جيفري بمدينة كاليكوت مثال واضح عن هذه الممارسة
التي تقدم أقرب مكان للابنة وزوجها داخل ضريح الشيخ جيفري دون اعتبار للأبناء
المباشرين حتى بعد موتهم. لقد كانت المحاكاة الثقافية مفضلة أكثر من تقبل تقليد
واحد بصفة رتيبة، الأمر الذي ساعد في تجنب العزلة وفي تحقيق الوحدة رغم الاختلاف.