مسلمو الهند: التعددية والتنوع

  • 2019-Sep-12

أفضل ما توصف به الهند أنها بلد تتسم بالتنوع وليس التشابه. وعلى الرغم من أن الهندوس يمثلون الغالبية العظمى بنسبة 80% تقريبًا من السكان، يأتي المسلمون في المرتبة الثانية من حيث العدد. وصل الإسلام في البداية إلى ساحل مالابار بالهند في عهد النبي محمد. بعد ذلك فتح المسلمون بلاد السند في عام 712 ميلادية وترسخ الحكم الإسلامي في دلهي في عام 1206 ميلادية ثم حكم البلاد خمس أسر مسلمة حتى عام 1526 عندما هزم ظهير الدين بابر إبراهيم لودهي في معركة بانيبات الأولي. ثم دعا الملك الهندوسي رئيس قبيلة راجبوت رانا سانغا بابر إلى الهند. لم يكن حكم مغول الهند (1526-1857) حكمًا إسلاميًا منزويًا بل كان نموذجًا لاندماج المسلمين مع الهندوس حيث وصل هندوس راجبوت إلى مناصب إدارية عليا وخلال حكم السلطان أورنكزيب (1659-1707) شغل الراجبوت نسبة عالية من النبلاء وصلت إلى 40% تقريبًا. وقد أمر بابر، المفترى عليه دائمًا للزعم بهدمه معبد رام وبناء مسجد بابري على يد الجنرال مير باقي، نجله همايون في وصيته بحظر ذبح البقر. ومن المنطلق ذاته ألغى السلطان جلال الدين أكبر ضريبة الحج المفروضة على الحج الهندوسي كما ألغى الجزية. كما مُنحت قطع كبيرة من الأراضي للمعابد الهندوسية. حقق الاقتصاد الهندي إبان حكم المغول أعلى نسب لإجمالي اللناتج المحلي وصلت إلى 25%، وتقديرًا لدور المغول وإسهامهم، أعلن قادة ثورة الهند سنة 1857 من تلقاء أنفسهم بعد إعلان الاستقلال عن الاحتلال البريطاني في المناطق المحررة تنصيب آخر إمبراطور مغولي بهادر شاه ظفر على أنه إمبراطور الهند. وبذلك أصبح الملك الأوحد في التاريخ ينصِّبه الشعب ملكًا.

إن تأثير الإسلام في المجتمع الهندي وإسهامه في الاندماج الوطني واضح بما لا يدع مجالاً للشك في مجالات الفنون والثقافة واللغات وفن العمارة والرفاهية والطعام والملبس ونمط الحياة والطب وغير ذلك، كما أصدر علماء المسلمين فتاوى لمقاومة الاحتلال البريطاني ودعوا للجهاد ضدهم، والمسلمون هم من ابتكروا شعار "عاشت الثورة" و"تحيا الهند". كما أن النشيد الوطني للهند “sare jhan se achcha Hindusta hamara” من تأليف الشاعر الدكتور المسلم محمد إقبال. ورفض علماء المسلمين نظرية الدولتين التي تبناها فيناياك دامودار سافاركار ومحمد علي جناح. كان الحق في التصويت لأغلبية ضئيلة بموجب قانون حكومة الهند لعام 1935 ولم يؤيد خيار التقسيم وإنشاء دولة باكستان سوى أغلبية من هذه الأقلية الضئيلة. وبموجب قانون الاستقلال الهندي لعام 1947 كان للمسلمين خيار الانتقال إلى باكستان، غير أن الغالبية الكاسحة من مسلمي الهند فضّلوا البقاء في الهند بدلاً من باكستان. وهكذا بقي المسلمون في الهند دون إكراه بل بمحض إرادتهم واختيارهم الحر.

هنا لا بد من محاولة دراسة تأثير الإسلام على القوانين الهندوسية وإلى أي مدى تم إصلاح هذه القوانين. حكام المسلمين لم يفرضوا الشريعة على غير المسلمين. ولم يتدخلوا في ممارساتهم وقوانينهم الدينية. بل وواصل البريطانيون تطبيق سياسة عدم التدخل في قوانين الأحوال الشخصية ولا تزال متَّبعة إلى يومنا هذا. وألغى البريطانيون العمل بالقانون الجنائي الإسلامي، لكن بقي العمل بقانون العقوبات الهندي لعام 1860 وهو يشبه الشريعة الإسلامية، فلم يصدر سوى عدد قليل من الأحكام بالإعدام، وينص الدين الإسلامي على ستة حدود فقط.

راقت فكرة المساواة في الإسلام للطبقات الدنيا من الهندوس واعتنق العديد منهم دين الإسلام. وعند صياغة الدستور، أُلغيت مادة النبذ والتمييز (المادة 17) وأُقر الحق في المساواة (المادة 14) ليس فقط على المواطنين بل للأجانب أيضًا. واستنادًا إلى مبادئ الشريعة الإسلامية المعنية بأهل الذمة، فقد كانت حقوق الأقلية مكفولة.

أما الديانة الهندوسية، فقد كانت تحكم بحرق الأرامل أحياءً في محرقة أزواجهن. ثم شرع رجا رام موهان روي في تطبيق إصلاحات اجتماعية ترتب عليها إلغاء قانون حرق الأرامل وسن قانون خاص بإعادة زواج الأرملة الهندوسية لعام 1856، وهو قانون يسمح بإعادة زواج الأرامل من الهندوس. كان الدين الإسلامي أول دين في العالم يكفل حقوق الملكية للجميع وخاصة حقوق ملكية النساء سواء كنَّ أرامل أو بنات أو أخوات. أما الديانة الهندوسية، فقد صدر قانون حق المرأة الهندوسية في الملكية لعام 1937 والذي منح الأرملة الهندوسية حقوق ملكية محدودة.

كان الزواج بموجب القانون الهندوسي بمثابة سر مقدس، ميثاق لهذه الحياة والحياة الأبدية المقدسة في الآخرة. ووفقًا لذلك فهي تشبه الديانة المسيحية حيث يكون الزواج ميثاقًا دائمًا ولا يوجد أي حكم بالطلاق حتى وإن لم يكن هناك توافق بين الزوجين ويوجد شرخ في العلاقة الزوجية يتعذر إصلاحه. أما الشريعة الإسلامية فتتعامل مع الزواج على أنه عقد مدني مثله مثل أي عقد آخر، أي يمكن إنهاؤه حال الإخلال بشروطه، وهو ما أقره قانون الزواج الهندوسي لعام 1955، حيث نص على أحكام بالطلاق. وعلى النهج ذاته، منح قانون المواريث الهندي لعام 1955 البنت نصيبها في ميراث ممتلكات الأب المكتسبة ذاتيًا. وفي عام 2005 أصبحت البنت شريكًا في الميراث، فصار من حقها الحصول على نصيبها في ميراث الأجداد. كما اعتمد القانون الهندوسي تفريق الشريعة الإسلامية بين الزواج الشرعي والزواج الباطل.

في المقابل، فقد تبنى المسلمون أيضًا تقاليد هندوسية عديدة على مدار ألف سنة أو نحو ذلك. واليوم نشهد بأعيننا النظام الطبقي بين المسلمين والتمييز المعروف بين الأشراف (الطبقة العليا) والأجلاف (الطبقة السفلى) كما أصبحت آفة غلاء المهور واسعة الانتشار. ويسبق حفلات الزواج عالية التكلفة العديد من الممارسات الهندوسية مثل الحناء وغيرها، وفي العديد من المناطق في الهند تتقلد النساء المتزوجات قلائد سوت مانغالا ويضعن السندور. ويُنظر إلى الطلاق على أنه وصمة عار، مثل الهندوس. كما تبنى المسلمون العديد من الطقوس الخاصة بالموت، فمقابر الصوفية لا تبدو مختلفة كثيرًا عن المعابد الهندوسية. كما تأثرت موسيقى الصوفية بالهند إلى حد ما.

عندما يندمج مجتمعان معًا لقرون، فلا بد أن يخلف ذلك تبني ممارسات بعضهما بعضًا. فلقد أثرى المسلمون في فن الفسيفساء الهندي وأضافوا بعض الألوان الرائعة إلى عالم قوس قزح. لنحتفل بهذا التنوع

.والتعدد في الهند. ليتقبل كلانا الآخر مع الحفاظ على الهوية المميزة لكل منا




أ.د. فايزان مصطفى

نائب رئيس جامعة نلسار للقانون بحيدر آباد


اشترك

اشترك في القائمة البريدية لتبقى علي تواصل دائم معنا