مؤتمر "منظومة القيم في التعليم الجامعي" يدعو لضرورة الجمع بين التعليم بالقيم وتعليم القيم

  • 2020-Dec-13

نظم المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، ومعهد ابن سينا للعلوم الإنسانية، وجامعة بلاد الشام، وغيرها من الجامعات والمؤسسات التعليمية العريقة، اليوم الأحد 13 ديسمبر 2020، المؤتمر الافتراضي "منظومة القيم في التعليم الجامعي.. نحو رؤية جديدة للإصلاح التعليمي"، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي للمجلس بمشاركة أكثر من 30 شخصية رفيعة المستوى من علماء وفقهاء وأكاديميين من مختلف دول العالم.

ودعا المشاركون في المؤتمر إلى وضع إطار مرجعي عام لمنظومة القيم القادرة على بناء شخصية متماسكة أخلاقياً وفاعلة حضارياً وقادرة على تمثيل الإسلام بصورة صحيحة، وكذلك ضرورة الجمع بين التعليم بالقيم وتعليم القيم، لأن الأول ضروري في بعض موضوعات القيم، حيث يتم تعليم القيم مباشرة وتقديمها في صورة معلومات وموضوعات، أما التعليم بالقيم فيكون هو المنهج الذي يتم به تدريس كل الموضوعات، وذلك مثل الأمانة العلمية واحترام المخالف، والتفكير الإبداعي النقدي.

وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر، قال معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن منظومة القيم بحاجة إلى عناية خاصة وإعادة وضعها في قالب جديد بأسلوب مقنع وعصري، حيث يمكن كسب قلوب الشباب وعقولهم بتقديم نماذج حية للقيم الإسلامية والإنسانية الأصيلة، مؤكداً معاليه أن أولويات القيم في المجتمعات المسلمة وتقديمها تختلف حسب طبيعة كل مجتمع، داعياً لبناء منظومة قيم فاعلة مشتركة إنسانية في مؤسساتنا الجامعية تتناسب مع العصر، وتزرع الأمن والطمأنينة والاستقرار، وترسخ ارتباط الإنسان بخالقه، والاقتداء بالنبي الكريم، والالتزام بدين السلام والمحبة، وبالتالي تجعل الفرد عنصراً فاعلاً في مجتمعه وحريصاً على تماسك هذا المجتمع وأمنه.

وقال سعادة الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، إن أزمة كورونا أفرزت واقعاً جديداً أوجب التفكير بجدية في مآلات طرق التدريس، وأبرز الحاجة لمنظومة قيم تتسم بأصالة مرجعيتها وأنسنة توجهاتها للتعاون بين الشعوب، داعياً للتفكير في المنهجيات والآليات العملية التي تبني منظومة قيم قادرة على الحد من التدهور الأخلاقي، وكذلك صياغة مشروع ومشترك متكامل يهدف إلى ضبط الإطار المفاهيمي للأخلاق والقيم، عبر تضمين القيم والأخلاق في المناهج المدرسية وتعزيز السلوكيات المجتمعية الصحيحة من خلال خطوات عملية تطبيقية تجعل من المنظومة الأخلاقية سلوكاً يُمارس على أرض الواقع.

وأشار سعادة الأستاذ الدكتور حسام الدين فرفور، رئيس فرع مجمع الفتح الإسلامي لجامعة بلاد الشام، سوريا، إن بعض الجامعات لا تضع في اعتبارها منظومة القيم والأخلاق المنطلقة من الوحي الإلهي، حيث ترتبط منظومة القيم بالإيمان والعقيدة والصلة بين العبد والربّ، لأن الأخلاق لا تتجزأ عن الدين، داعياً للتأسيس لمناخ جامعي معرفي أخلاقي مرتبط بكافة عناصر العملية التعليمية، وأنه لا بد من مساهمة الجامعات في تكوين الإنسان الصالح لمجتمعه وللإنسانية جمعاء، بتعزيز منظومة الأخلاق، وكذلك وضع تشريعات صحيحة ومقررات ومساقات جامعية تركز على الأخلاق والوسطية والقدوة الصالحة وتعزيز الأخلاق والإنسانية عبر تعليم القيم قبل العلوم والأخلاق قبل الفنون.

وأكدت الأستاذة الدكتورة أماني لوبيس، رئيسة جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية في جاكرتا، إندونيسيا، أن التعليم هو عملية تعلم لزيادة كرامة الإنسان التي تستمر مدى الحياة، ويتطور التعليم دائماً ويواجه أوقاتاً متغيرة وخطرة، داعيةً لتصميم مناهج التعليم بطريقة تتبع إيقاع الأوضاع المتغيرة واحتياجات المجتمع، وأن المخرجات يجب أن تكون واضحة في جعل الجيل الجديد منفتحاً فكرياً مع الالتزام بالقيم الإسلامية والسلمية التي تجعل هذا الجيل قادراً على الانتشار في كل بقاع العالم بهدف الاندماج الثقافي والمهني.

وقال الدكتور أحمد علي سليمان، من رابطة الجامعات الإسلامية، إن الجامعات موائل العلم وبناء المجتمع والشخصية الوطنية وتشييد القيم الحضارية، مؤكداً أن الإسلام قدم منظومة قيمية متكاملة، من شأنها حال التمسك بها إصلاح الفرد والمجتمع والحياة "لما تمسك المسلمون بمنهج الله وبمقاصد القيم التي جاء بها رسولنا الكريم أسسوا حضارة عظيمة"، قائلاً إن مقاصد القيم (الإيمانية والحضارية والعلمية والأخلاقية) التي تأسست على الوحيين الشريفين (القرآن والسنة) نهضت بالأمة في عصورها الزاهرة، والجليل في القيم الإسلامية أنها تعد مطلباً دينياً أصيلاً؛ الأمر الذي أعطاها قيمة مضافة فوق قيمتها.

وفي نهاية المؤتمر الافتراضي "منظومة القيم في التعليم الجامعي.. نحو رؤية جديدة للإصلاح التعليمي"، توصل المؤتمرون إلى تسع توصيات وهي:

أولاً: وضع إطار مرجعي عام لمنظومة القيم القادرة على بناء شخصية متماسكة أخلاقياً وفاعلة حضارياً وقادرة على تمثيل الإسلام بصورة صحيحة؛ هذا الإطار المرجعي للقيم يمثل المنطلق العام الذي يتعيّن تفعيله في المناهج وطرق التدريس والتقييم.

ثانياً: ضرورة الجمع بين التعليم بالقيم وتعليم القيم، فالأول ضروري في بعض موضوعات القيم، حيث يتم تعليم القيم مباشرة وتقديمها في صورة معلومات وموضوعات، أما التعليم بالقيم فيكون هو المنهج الذي يتم به تدريس كل الموضوعات، وذلك مثل الأمانة العلمية واحترام المخالف، والتفكير الإبداعي النقدي.

ثالثاً: ضرورة إعطاء الصبغة الإنسانية للقيم الإسلامية، بحيث يتم تقديمها في المصادر والأصول الإسلامية وفي نفس الوقت ينبغي بيان امتداداتها الإنسانية في الأديان والمذاهب الأخرى، وفي الفلسفات البشرية الأخرى، وهذا في ذاته يفتح آفاق المتعلمين لفضاءات قيمية أوسع.

رابعاً: الدعم المستمر للقائمين على التعليم داخل الجامعات، من خلال التدريب المستمر على التعليم بالقيم، ومن خلال تمكينهم من أن يكونوا نماذج قيمية جاذبة وفاعلة بين طلابهم، وهذا يسهم في التعليم بالقدوة.

خامساً: وضع برامج ونشاطات اضافية تعمل على غرس قيم الوسطيّة، والتسامح والاعتدال، والتضامن، والسلام، وقبول الاختلاف والتنوّع، وذلك خارج إطار العملية التعليمية النظامية، وإنما من خلال نشاطات أدبية وفنية ورياضية وتكنولوجية.

سادساً: تعزيز أدوار القيم في التقييم المنتظم لبرامج التعليم، بحيث يكون تقييم أداء المتعلمين متضمناً لبُعد القيم، وليس قاصراً على تقييم المعلومات والأفكار فقط، وهنا يجب أن يتم النظر إلى القيم نظرة واسعة تشتمل على كامل منظومة القيم الإسلامية الإنسانية.

سابعاً: ضرورة التأكيد على أهمية التزام الإدارة التعليمية بالقيم في تعاملها مع المتعلمين والمعلمين، لأن الإدارة الجامعية هي القدوة والمثل الأعلى لكل من الأساتذة والطلاب، ولذلك فإن انعكاس القيم في تعاملها مع المجتمع الجامعي سيكون له الأثر الكبير في غرس وترسيخ القيم المنشودة.

ثامناً: التأكيد على أهمية معالجة الآثار القيمية للأزمات العالمية بكل أنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية؛ التي تحدث في العالم، وتترك آثاراً سلبية على المجتمعات خصوصاً أجيال الشباب الذين يمثلون المجتمع الجامعي، وضرورة التيقظ لنوعية القيم السلبية التي تتركها هذه الأزمات وتقديم العلاج المناسب لها.

تاسعاً: الدعوة إلى تأسيس وحدة بحثية مشتركة بين المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ورابطة الجامعات الإسلامية لتفعيل هذه التوصيات وتحويلها إلى برامج تنفيذية وخطط واقعية.

وسعى المؤتمر الافتراضي "منظومة القيم في التعليم الجامعي.. نحو رؤية جديدة للإصلاح التعليمي"، إلى تحقيق أربعة أهداف مهمة وهي، توجيه أنظار صناع السياسات التعليمية إلى خطورة منظومة القيم التي يتم بثها في النظم التعليمية أولاً، وإرشاد الخبراء التعليميين إلى كيفية تشريح مناهج التعليم للكشف عن منظومات القيم الكامنة والظاهرة ثانياً، ووضع الأسس المنهجية للتميز بين القيم السلبية الهادمة للأوطان والانسان والقيم الإيجابية التي تؤسس للتنمية والرخاء والازدهار ثالثاً، ومناقشة مناهج تعليم القيم ووسائل وطرق تقييم التعليم بالقيم رابعاً.

كما زخر المؤتمر بثلاث جلسات ضمن سبعة محاور مهمة تمثلت في التوجهات التربوية الحديثة في تعليم القيم في المناهج الجامعية أولاً، ومنظومات القيم الإيجابية في التعليم الجامعي في العالم الإسلامي: نماذج وتجارب ثانياً، ومنظومات القيم السلبية في التعليم الجامعي في العالم الإسلامي: نماذج وتداعيات ثالثاً، والتحديات التي يمثلها التراث في التعامل مع منظومات القيم السلبية في التعليم الجامعي رابعاً، ومناهج وطرق بناء مناهج تعليم تعتمد على منظومات القيم الإيجابية خامساً، ومحمد عبد الله دراز، وعبد الرحمن الكواكبي، نموذجان متعاكسان لتعليم القيم سادساً، وطرق ووسائل تقييم التعليم المعتمد على القيم سابعاً وأخيراً.

جدير ذكره أن المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة منظمة دولية غير حكومية، يتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً له، حيث يُعتبر بيت خبرة لترشيد المنظمات والجمعيات العاملة في المجتمعات المسلمة، وتجديد فكرها وتحسين أدائها من أجل تحقيق غاية واحدة؛ وهي إدماج المجتمعات المسلمة في دولها؛ بصورة تحقق لأعضائها كمال المواطنة وتمام الانتماء للدين الإسلامي. ويسعى المجلس، من خلال عقد العشرات من المؤتمرات والندوات والأنشطة الافتراضية إلى توطين مفاهيم التعددية الدينية والعرقية والثقافية، بما يحفظ كرامة الإنسان واحترام عقيدته ويرسخ قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للأوطان.

اشترك

اشترك في القائمة البريدية لتبقى علي تواصل دائم معنا